=orange[color=red]]الخطبة الثانية
الحمد لله العظيم القهار، القوي القدير الجبار، فرض الفرائض وحدّ الحدود وربك يخلق ما يشاء ويختار، أمر بتعظيم شعائره، وجعل ذلك من تقوى القلوب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المطّلع على الظواهر والبواطن وهو علام الغيوب، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيُسنّ بعد التحلل الأول أن يتطيب الحاج ويتوجه إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة، وهذا الطواف ركن من أركان الحج لا يتمّ الحج إلا به، ثمّ بعد الطواف وصلاة الركعتين يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعًا، فهذا السعي لحجه والأول لعمرته، وكذلك إن كان مفردًا ولم يسبق له أن قدّم السعي في قدومه، أما القارن بين الحج والعمرة فليس عليه إلا سعيٌّ واحد، فإن كان قد سعى بعد طواف القدوم كفاه ذلك عن السعي بعد طواف الإفاضة، وإن لم يسع بعد طواف القدوم فعليه أن يسعى بعد طواف الإفاضة. والأفضل للحاج أن يرتّب يوم النحر هذه الأمور الأربعة: فيبدأ أولاً برمي جمرة العقبة، ثم النحر، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف بالبيت والسعي بعده للمتمتع، وكذلك للمفرد والقارن إذا لم يسعيا بعد طواف القدوم. وإن قدّم بعض هذه الأمور على بعض أجزأه ذلك ولا حرج عليه، لثبوت الرخصة عن النبي لمن قدم أو أخّر في ذلك، وقوله لكل من سأله: ((افعل ولا حرج)).
ثم يرجع الحاج إلى منى ويقيم بها ثلاثة أيام بلياليها، أي: يوم النحر اليوم العاشر ويومي الحادي عشر والثاني عشر لمن أراد التعجل، والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر، يرمي الجمار الثلاث في كل يوم من الأيام الثلاثة غير يوم النحر بعد زوال الشمس، ويجب الترتيب في رميها، فيبدأ بالجمرة الأولى وهي التي تلي مسجد الخَيْف، ثم يرمي الجمرة الثانية، ثم الجمرة الثالثة وهي جمرة العقبة، ويجوز لمن كان له عذر يمنعه عن مباشرة الرمي بنفسه أن يستنيب من يرمي عنه، والذي يُستناب في هذا يرمي عن نفسه أولاً ثم يرمي عمّن استنابه وفي مكانه دون أن يرجع مرة أخرى، سواء كان الحج فرضًا أو نفلاً، ومن تعجل في يومين بعد يوم النحر فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى، قال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنَ اتَّقَى [البقرة:203].
ثم على الحاج بعد أن ينزل من منى ويريد مغادرة مكة عليه أن يطوف طواف الوداع، وهذا واجب وبهذا يتم حجه، ولا يسقط طواف الوداع إلا عن الحائض والنفساء، فإنه ورد الترخيص لهما في حديث رسول الله .
أما المقيمون في بلادهم من المسلمين ولم يحجوا فقد جعل الله لهم أبوابًا من الخير ينبغي لهم أن يسارعوا إليها ويغتنموها بالعمل الصالح في أيام العشر من ذي الحجة من صيام وصدقة واستغفار وتكبير وذكر لله عز وجل وقراءة القرآن وجميع أنواع القربات، يقول رسول الله : ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام)) يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)).
ومن أعظم الأعمال في أيام العشر الصوم، وخاصة صوم يوم عرفة للمقيمين وليس للحجاج، فلقد سئل رسول الله عن صوم يوم عرفة فقال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)).
عباد الله، أحيوا ـ رحمكم الله ـ سنة التكبير المطلق في كل وقت في هذه الأيام من أيام العشر في الأسواق والطرقات والمساجد والبيوت، وكذلك المقيد بعد الصلوات المكتوبة من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، فمن أحيا سنة قد أماتها الناس أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب، وصفة التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
وإذا دخلت عشر ذي الحجة فلا يجوز أخذ شيء من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي حتى يذبح أضحيته، للأحاديث الواردة في ذلك، ومنها ما ورد في صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله : ((من كان له ذِبْح يذبحه فإذا أهلَّ هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي))، وفي الحديث الآخر: ((إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئًا حتى يضحي)). نلا من موسوعة الخطب المنبرية